من يزور صفاقس هذه الأيام ويتجول في شوارعها وأنهجها سيستنشق رائحة الشرمولة الصفاقسية التي تفوح من مطابخ المنازل في كل الأحياء الشعبية والفاخرة
الشرمولة من هي أشهر الأكلات الصفاقسية التراثية الاحتفالية بعيد الفطر، ففي العشر الأواخر من شهر رمضان، تشهد أسواق صفاقس، حركية كبيرة غير معتادة وترى إقبالا كبيرا على شراء “الزبيب” (العنب المجفف) وأنواع معينة من السمك ك المناني والبوري وو الغزال و الكرشو و غيرها
تحضر “الشرمولة” بتقطيع كمية كبيرة من شرائح البصل ووضعه في قدر، بعد أن يضاف إليه الزيت ويترك على نار هادئة
في الأثناء يطحن الزبيب وينقع في الماء مدة من الزمن، ثم يصفى جيدا بواسطة غربال من أجل الحصول على كمية من العصير المركز، ثم يضاف عصير الزبيب إلى البصل والتوابل الخاصة ب”الشرمولة” ويتواصل طهيهما معا بعد التحريك الجيد والمتواصل، حتى تتماسك وتصبح صلصة تمتاز بلون “عسلي” داكن.
أما “الحوت المالح”، فيباع بحساب الكلغ أو بـ “الدلالة” أو المزايدة في سوق السمك ويكون مملحا ومجففا من الماء قبل أيام من عرضه للبيع. يعد بعد غسله جيدا من الملح ويطبخ في الماء الساخن أو مفورا في الكسكاس ..
تجتمع العائلة الصفاقسية يوم العيد حول المائدة لتناول “الشرمولة” مع قطع “الحوت المالح” بالخبز.
المميز في طبق “الشرمولة” و “الحوت المالح” أنهما يكونان مزيجا سحريا بين طبق شديد الملوحة وطبق آخر شديد الحلاوة وهي تركيبة لها مذاق خاص.
الحكمة من أكل “الشرمولة”
يقول سكان صفاقس أن هناك حكمة وراء إعداد “الشرمولة” و “الحوت المالح” خصيصا يوم العيد وبعد شهر كامل من الصيام، لشرب كمية كبيرة من الماء حتى يعوضوا كمية المياه التي خسرها الجسم أثناء الصيام.
أصل أكلة “الشرمولة
يقول أهل مدينة صفاقس، إن إعداد طبق “الحوت المالح” ارتبط بحادثة قديمة وقعت قبل مئات السنين. اصطاد بحارة من صفاقس صيدا وفيرا من السمك، لكن صيدهم لم يلق حظه عند البيع ولم يقبل عليه الزبائن، لأن الحادثة كانت في آخر يوم من شهر رمضان واعتاد الناس على شراء اللحم في عيد الفطر.
فاضطر بعض البحارة إلى إلقاء الأسماك في البحر، لكن آخرين فكروا في تخزين السمك بتجفيفه وتمليحه، إلا أنهم بعد أن تناولوه اشتد بهم العطش فاقترحوا إعداد طبق يخفف من ملوحة السمك، فطبخوا “الشرمولة”، حتى أصبح الطبقان يعدان سويا في عيد الفطر.
وتقول الروايات القديمة إن أول من ابتكر طبق الشرمولة كان البحار “تشارلز موولا” وقد نسبه إلى اسمه ومع مرور الزمن وقع تحريف اسمه لتحمل هذه الأكلة اسم “الشرمولة” من شرمل السمك أو اللحم وكان القدامى يجففون السمك تحت أشعة الشمس ويضيفون إليه ملحا حتى لا يفسد.
أما الزبيب فهو من العنب الجاف يقع طحنه مرتين، ثم يضيفون إليه ماء وزيتا وبصلا كثيرا وقرفة ويطبخ لأيام في كل يوم ساعة حتى يحمر ويصبح لونه عسليا داكنا ويتناوله أهالي شمال إفريقيا في يوم عيد الفطر من كل سنة.
وقد جاءت هذه الأكلة من الأناضول ودخلت إلى بلدان شمال إفريقيا عندما تحطم مركب هذا البحار وكاد أن يهلك بسبب الجوع، فأخذ يبحث في حطام مركبه إلى أن وجد كيسا به زبيب فقام بتغليته وبقي يتناوله لأيام إلى أن وصل سواحل تركيا ومن تركيا وصلت هذه الأكلة إلى مدينة صفاقس.
ومن المرجح أن كلمة شرمولة هي تصحيف للكلمة الإسبانية salmuera بمعنى مستحضر من الماء والملح والتوابل، يستعمل للحفاظ على اللحوم والأسماك وهي بدورها من اللاتينية القروسطية salimuria مكونة من sal (الملح) وmuria (ماء مملح).
مدن أخرى تعد “الحوت المالح”
ولئن تشابهت تسمية “الشرمولة” و “الحوت المالح” بين منطقة وأخرى في تونس، إلا أن بعض المناطق تعد هذه الأطباق بنفس المكونات المعتمدة أساسا على السمك والبصل والزبيب، لكن بطريقة تحضير مختلفة.
مدينة المنستير، تعد أيضا “الحوت المالح” في عيد الفطر لكن بطريقة مغايرة، تتمثل في طبخ السمك المملح بعد مزجه مع شرائح البصل والزبيب و”الهريسة” على البخار في “الكسكاس”.
وتنتشر في بلدان حوض المتوسط أكلات مشابهة لـ “الشرمولة” و”الحوت المالح” في اليونان وتركيا، فقد كان حوض المتوسط موطن الرومان الذين عرف عنهم تفضيلهم لأكل السمك.
وقد اشتهر الرومان بتناولهم المفرط للسمك المملح salsamenta وتحضير أنواع من الصالصات المرافقة له.
وقد وجد الباحث قوبار Gobert عديد الطبخات الرومانية شبيهة بالشرمولة وصفت بدقة في كتاب الطبخ الروماني “أبكيوس Apicius” الذي يرجع إلى القرن الرابع ميلادي.