أحيت صفاقس منذ أسبوع ذكرى رحيل الفنان الكبير محمد الجموسي الذي وافاه الأجل المحتوم يوم 3جانفي من سنة 1982 مخلفا لوعة وحزنا لدى أحباء الفن الراقي الجميل وهو الذي وهب حياته له ” الفن الفن عمري للفن ” كما قال في احدى أشهر أغانيه
لايمكن تصنيف الفنان محمد الجموسي في صنف فتي واحدة نظرا لتعدّد ابداعاته فقذ كان شاعرا متميزا ,أصدر ديوانه الأول بعنوان “الليل والنهار” ثم ديوان “الفجر” وديوان”الشّاعروالوردة” بالفرنسية
وإلى جانب الشعر كان الجموسي عازفا ماهرا ومطربا وملحنا ,أبدع عدة ألحان متميزة، كما برز نجما في مجالي المسرح والسينما فضلا عن تميزه في مجال التنشيط الإذاعي و التلفزي.
وكان محمد الجموسي يتقن عدة لغات اضافة الى لغته الأم ,العربية واللغة التي تعلمها في المعهد ,الفرنسية بحذقه الكلام بالإيطالية والإنجليزية وقد أبرز مقدرته في هذا المجال من خلال مشاركته قي بعض الأفلام الأجنبية مثل “طبيب بالعافية” المستوحى من رواية موليار والفيلم الهندي المنجز في إيطاليا والانجليزي “دار الراعي” وفيلم “فارس البيت الأحمر”، فضلا عن فيلم “جحا” الذي مثل فيه دور البطولة الممثّل المصري العالمي عمر الشّريف
وللجموسي مشاركة مهمّة في السينما المصرية.كممثل ومطرب على غرار شريط “ناهد” سنة 1959 مع يوسف وهبي وشريط “ظلمت روحي” سنة 1952 مع شادية وفريد شوقي ووداد حمدي وشريط “بنت المولد” مع فاتن حمامة والراقصة تحية كاريوكا.
وكان للجموسي مرورا هاما بدار الأوبرا الجزائرية في الفترة من 1948 إلى 1951 حيث تسلم إدارتها الفنية
ان المتأمل في انتاج الجموسي الموسيقي سواء في اغانيه او فيما قدمه في شكل اوبيرات يلاحظنا ان كلماته متعددة الاغراض الغزل( اصل الزين في العينين كمثال و غيرها كثير مثل اوربيريت العيون زرقة يا عوينة وغيرها
ان حسه الوطني الفياض يتجلى في امثلة عديدة من انتاجه كريحة البلاد وهبي يا نسمة بلادي
كما غنى عن قيمة العمل المفقودة في يومنا الحاضر(مهما كانت صنعة ايدك يا خويا الخدام) وبر الوالدين( يطول عمرك…)
يضاف الى ذلك عمله على زرع الأمل في تحقيق مستقبل أفضل لكل من كان متشائما ومتعرضا لصعوبات حياتية وفي هذا المجال نذكر أغنيتين ” يفرجها المولى ” ومعلوم هذا معلوم ”
والروح المرحة التي كان يتمتع بها اذ كان همه الوحيد اسعاد الناس من حوله و اضفاء البسمة على محياهم فقد كان رحمه الله صاحب نكتة و يتجلى ذلك في بعض الاغاني الفكاهية التي كان يزود بها المرحوم المطرب محمد الجراري( الهريسة تحرق , الكريطة , زردة زردة بالكسكوس…)
هذا وقد كانت الكاتبة والإعلامية الكبيرة السيدة القايد قد أكدت بمناسبة اصدار مؤلفها مذكرات الفنان محمد الجموسي بين الشفوي والمخطوط وإجابة عن سؤال حول علاقة الجموسي بوطنه تونس ومسقط رأسه صفاقس ان الجموسي كان يحب صفاقس وكل ربوع وطنه تونس وقد تفاعل مع الأحداث الهامة التي شهدتها البلاد دون أي شخصنة وتمجيد للأفراد رغم ما كان يجده من حظوة واحترام كبيرين من طرف الزعيم الحبيب بورقيبة
وأبرزت أن الجموسي تغنى بالوطن و“ ريحة البلاد ” وعند الاعلان عن الاستقلال الداخلي لتونس جادت قريحته بأغنية ”الله معانا ” الرائعة التي كانت بمثابة الدعوة للتونسيين للمضي في بناء أركان وطنهم وتحقيق ازدهاره بقوله
هات ايدك فيدي نبني بلادنا ونفيد
هات ايدك فيدي يقربلنا كل بعيد …
حجرة على حجرة نشيد أجمل قصور
وبلادنا الحرة يضويها مصباح النور
شذرات من مشاركة الموسيقار محمد الجموسي في السينما المصرية كما وردت في مؤلف السيدة القايد
ألفت الكاتبة والإعلامية القديرة السيدة القايد كتابا قيما تحت عنوان ” مذكرات محمد الجموسي بين الشفوي والمخطوط 1910- 1982 ” تناولت من خلاله حياة الجموسي : النشأة ,الدراسة ,فترة الشباب ,ممارسة الهوايات ,صفاقس في الذاكرة والسفرة الأولى الى باريس سنة 1936 ورحلات الفنان الماراطونية منذ سنة 1946 بين فرنسا وتونس والمغرب والجزائر وإيطاليا ومصر ومشاركاته الفنية المتنوعة في مجالات الفن والمسرح والسينما
الفنان الفقيد محمد الجموسي كان في جميع تجاربه وفي حله وترحاله محل تقدير وترحيب لقيمة ابداعاته في مجالات الشعر والموسيقى والمسرح والسينما فضلا عن مميزات فنانا كإنسان عرف بدماثة أخلاقه وقدرته على الحوار والاقناع
لقد خاض الجموسي تجارب متميزة خلال كل وجهات رحلاته ومن بينها مصر (الأولى) التي كانت وفق ما ورد في مرجعنا المذكور بدعوة من صديقه عميد المسرح العربي يوسف وهبي سنة 1951 عند زيارته الى الجزائر للمشاركة معه في في بعض الأفلام
أمضى الجموسي عند وصوله الى القاهرة عقودا للمشاركة في عدد من الأفلام المصرية وكان له حضورا متميزا في فيلم ” ناهد ” وهو فيلم كتب قصته المبدع يوسف وهبي وأخرجه يوسف كريم ,مخرج أفلام الموسيقار محمد عبد الوهاب مثل الوردة البيضاء سنة 1933
فيلم ناهد كما ورد في مذكرات الجموسي المنشورة في مؤلف الصحفية و الكاتبة القديرة السيدة القايد مثل فيه الأستاذ يوسف وهبي وراقية ابراهيم وعمر الحريري وفاخر فاخر وعلوية جميل ,غنى فيه الجموسي ” هالسمرة عينك تحرق “من كلماته وألحانه وتقدم فيه باسم ” محمد التونسي”
وغنى الجموسي في ذات الشريط السينمائي أغنية ” من شان العيون المصرية ,من ألحانه كذلك ومن كلمات الشاعر فتحي فورة
وفي سنة 1952 شارك الفنان محمد الجموسي في فيلم ” ظلمت روحي ” لمحسن سرحان وفريد شوقي ومنى سليمان ونجيب زكي وهو شريط اجتماعي من تاليف مصطفى سامي ,سيناريو واخراج ابراهيم عمارة أما الممثلون فهم شادية ومحسن سرحان وإبراهيم وزوزو محمد وسراج منير ,غنى فيه فنانا مع المطربة شادية أغنية الميلاد ” ياحورية وجاية من الجنة وهي من ألحان محمود الشريف وكلمات فتجي فورة وكذلك ” ننوسة يا ننوسة
وغنى الجموسي خلال اقامته بالقاهرة في شريط سينمائي ثالث سنة 1953 في فيلم ” بنت الهوى ” ” الروكي والموكي ” و” طانقو ” ,من كلماته وألحانه ,رقص عليها الجميع
الفيلم اجتماعي يروي قصة راقصة تتعرف على رجل يخدعها ,القصة والسيناريو والإخراج ليوسف وهبي . مثلت فيه تحية كاريوكا وفاتن حمامة وماري منير وكمال حسين وزينات صدقي وعزيزة وشفيق نور الدين وغيرهم
ان زيارة الجموسي للقاهرة مكنته من المشاركة في ثلاثة أفلام مصرية مع كبار الممثلين كما غنى في عدة أفلام وفضاءات كممثل سينمائي مسرحي وايضا كفنان وملحن واصبح في فترة وجيزة من بين الفنانين المعروفين بتميزه في في تقديم الفن التونسي الذي تال اعجاب الجمهور المصري
هذا وقد دعي الجموسي مرة أخرى لزيارة القاهرة سنة 1954 للمشاركة في حفل بمناسبة الجلاء الإنقليزي عن قناة السويس وغنى مع عمالقة الفن العربي على غرار محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش والعديد من المطربين الكبار من عدة بلدان كما زار فنانا القاهرة سنة 1980 رفقة وفد من اذاعة صفاقس
هذه مقتطفات ملخصة من ذكريات الجموسي في مصر وتحديدا تجربته السينمائية هناك كما جاءت في مذكراته التي أوردتها السيدة القايد مع التأكيد على ان المؤلف يحتوي على 568 صفحة سلطت الضوء على تجربة الفنان ” المفرد في صيغة الجمع ” بأسلوب متميز.
المصادر المعتمدة ” مذكرات الفنان محمد الجموسي بين الشفوي والمخطوط للسيدة القايد
الجموسي الفنان في رسائله للسيدة القايد