هنا… في ولاية صفاقس مناطق أثرية ضاربة في عمق التاريخ ..لازالت تقف شاهدا تاريخيا على الزمن الضائع بل طابعا تراثيا  في الحضارة الإنسانية والإشعاع الذي ظلت آثاره إلى اليوم على المستوى العربي والمتوسطي .. إنهما الموقعان الأثريان “بارا روس” وبطرية- أكولا”.

من المناطق الأثرية التاريخية القديمة المتواجدة على الشريط الساحلي التونسي، مدينة ”أكولا“ و تسمّى حاليّا بطرية و هي تابعة إداريا لمعتمدية جبنيانة و على بعد 45 كلم شمال شرق مدينة صفاقس، و تبلغ مساحتها حوالي 200 هكتار.

باراروس  تقع هذه المنطقة الاثرية في منطقة الحلالفة بمعتمدية الحنشة من ولاية صفاقس وتمتد على مساحة على ما يقارب 210 هكتار تحت الارض.

ويعود هذا المعلم الأثري الى الفترة الرومانية ليضمّ على امتداد مساحته تحت الارض مسرح (حلبة ومدرجات) ومعبد وقوس نصر و مقابر جماعية و فردية وكذلك خزان مياه ضخم. 

وأنت تجوب المعلم الأثري “بارا روس القديمة” المعروف ب”وادي الرقة” حديثا والذي ما زال في حاجة للاكتشاف… لا يمكن أن يشد  عدستك إن كنت مصورا فوتوغرافيا غير الخزانات الكبيرة المحفورة تحت أنفاق الأرض عن طريق الأروقة والأعمدة التي تختزل روعة المعمار الروماني تعلوها شرفات مقوسة بنيت فوق سطح الأرض للتهوية والإضاءة… تمكن الزائر من النزول إليها عن طريق مدرجات محفورة لاكتشاف جمالية هذا المعلم الأثري.

هذه الخزانات صممت لتجميع المياه التي تبلغ سعتها حوالي 7600 م3 ويتراوح قطرها بين 36 و40 م, تعود, حسب شكل هندستها الفريدة من نوعها والتي تكاد الوحيدة في الجمهورية مبنية تحت سطح الأرض على شاكلة الأروقة والأعمدة إلى القرن الأول بعد ميلاد المسيح”

ان اكتشاف تجذر جهة صفاقس في عمق الحضارة الإنسانية من خلال الدرر الأثرية الكامنة فيها… تواصلت عبر تحول قافلة المصورين والصحافيين من الموقع الأثري “بارا روس” إلى عمادة بطرية وهى عمادة من عمادات معتمدية جبنيانة, حيث يوجد الموقع الأثري الروماني “بطرية-آكولا” الواقع على بعد 45 كلم تقريبا بالشمال الشرقي لمدينة صفاقس

تطل  اكولا على البحر المتوسط و تدعى الآن بطرية. كان قد أنشأها الفينيقيون الذين أتوا من جزيرة مالطة و كانوا قد تحالفوا مع روما إثر الحرب البونيقية الثالثة.  و أثناء الحملة الإفريقية التي قام بها جوليوس القيصر انضمت لها أكولا التي كانت في تلك الفترة مدينة التجارة البحرية المتميزة بميناء ذو أهمية كبرى.

تمتد أثار المدينة على200 هكتار تقريبا و تم اكتشاف أثار المدينة الرومانية كما يلي:

– بقايا مدرج و شبه هيكل مسرح

2محلات للعمودية

2 محلات حرارية

-بقايا 3 فيلات و مجموعة غنية من الفسيفساء

مدينة أكولا معروفة جيدا في مختلف المؤلفات التاريخية و الجغرافية خاصة في خرائط بطليموس foi de Ptolémée كذلك وجدت على لوحة بيتنغر la table de Peutinger و هي خريطة قديمة تصورّ أهم الطرق و المدن الرئيسية للإمبراطورية الرومانية قديما و لكن تحديد موضعها كان محلّ جدل و نقاش بين مختلف الباحثين إذ اعتقد بعضهم أن مدينة أكولا هي مدينة الشابة أو العالية الواقعيتين في الشمال حسب الخرائط القديمة إلى حين كشفت الحفريات التي أنجزت بقرية بطرية عن حجر أثري نقشت عليه كتابة تحمل شعب أكولا Populus Achollitanas.

في مدخل المدينة الأثرية اكولا توجد حمامات الإمبراطور الروماني تراجانيوس والتي تحتوي على عدة قاعات أبرزها قاعة مستطيلة الشكل إلى جانب ثلاثة أحواض سباحة، أما الفوروم فهو ساحة مبلطة تتوسط المدينة وتنتهي بجدران و في تعريفنا لها كالتالي يوجد نصب تذكاري للقنصل اسينوس ريفيناس

وفي الجهة الشمالية توجد بقايا آثار معبد الكابتول الذي يضم تماثيل الثالوث الرسمي للديانة الرومانية وهي الآلهة: يوبيتار ويونو ومينروا.

وفي الجهات الغربية مازالت آثار المسرح الدائري واضحة المعالم حيث يحتوي على حلبة صراع ومدارج محيطة بها هذا النمط من العمارة يعكس مستوى الازدهار الاقتصادي و الثقافي الذي بلغته مدينة أكولة و

 تزخر ”اكولا“ باللوحات الفسيفسائية التي تم العثور عليها لعلها من أعظم و أقدم اللوحات الموجودة في إفريقيا، و هي لوحات تروي المعيش اليومي لشعب أكولا و عاداتهم و تقاليدهم و معتقداتهم و وجدت خاصة لدى الطبقة الأرستقراطية من الأهالي إذ تزين الفسيفساء جدران وأرضية منازلهم. ومن أهمها لوحة الإله ديونوزيوس وقوس النصر للإله نبتون ولوحة جراد البحر وهو ما يقيم الدليل على الأهمية البالغة لهذه اللوحات الفسيفسائية.

عرفت أكولا في عصرها الذهبي خلال القرنين الأول و الثاني بعد الميلاد بفضل مينائها الذي يعتبر من اكبر الموانئ التجارية البحرية و لزال بقايا أرصفته إلى يومنا هذا شاهدا على عمق المدينة التاريخي و الحضاري و الاقتصادي.

كما شهدت المدينة صك العملة خلال العهد الروماني بداية من القرن الأول ميلاديا في عهد الإمبراطور اغسطوس الذي حكم من سنة 29 ق.م إلى سنة 14 ميلاديا. وارتقت في التنظيم الإداري إلى مرتبة المدينة ـ البلدية حيث يتمتع سكانها بحق المواطنة الرومانية ويحكمها الدستور الروماني ويدير شؤونها المجلس البلدي المتكون من الحكام البلديين من صنف القناصلة

.

توقفت الحفريات بالموقع الاثري ”أكولا“ سنة 1994، رغم انها لم تبح بأسرارها كاملة فحسب تأكيد الباحثين فانها لزالت تزخر بكنوز اكثر من التي اكتشفت، علما أنّه تم آن ذاك رفع أعظم و أحسن التحف إلى المتحف الوطني بباردو

هذه المواقع غير أنها مجهولة ومنسية في الذاكرة الثقافية  فهي تبقى في حاجة لمزيد الاستغلال والاكتشاف والحفريات للأجيال القادمة مثلها مثل بقية المعالم الأثرية التي تزخر بها جهة صفاقس حتى تكون مواقع أثرية محفوظة في الذاكرة الشعبية الثقافية ومزارات سياحية مصنفة في سجل التراث العالمي” أضافة أن هذا العمل يتطلب تضافر كل الجهود وفي مقدمتها المجتمع المدني .

نسرين الفريجي