أن الاحتراف الرياضي جعل ممارسة الرياضة بجميع مظاهرها فردية أو جماعية بالنسبة لللاعبين كمهنة لها شروطها وهي الاستمرارية والمواظبة والعقود

لقد تم اعتماد الاحتراف في المجال الرياضي كنتيجة طبيعية لمتغير السوق وروح العصر الذي يعتمد على الكسب المادي وايصا لرفع مستوى وجودة الاداء الذي أصبح يحتاج الكثيز من المصاريف

لقد أصبحت قيمة المحترف الرياضي ترتفع وتنخفض بما يدفعه في تحسين أدائه وإبراز مهارته ورفع مستواه المهني ولذا اصبح الاحتراف في الانشطة الرياضية مطلبا حيويا بين متطلبات القرن الحديث ولا يستطيع أي مسؤول أو باحث أن يتجاهل الاحتراف ولكن لابد وان تكون تجربة الاحتراف نابعه من ااظروف اااقتصاديات لكل دولة رغم أن هناك نظاما للاحتراف يطبق في الكثير من الدول ويسير بدقة متناهية

رغم أن هناك دول تطبق الاحتراف فإن الإشكال الأساسي لمشاكل كرة القدم في تونس والذي أدى إلى انخفاض مستوى اللعبة تعود الى النظام والتشريع لذا يجمع الخبراء والمتخصين على ان السبب في عدم ارتفاع مستوى اللعبة هو القصور في تطبيق نظام الاحتراف لأنه لا يتماشى مع نظم الاحتراف الحقيقية فهو نظام متكامل وما هو مطبق في تونس وبعض الدول العربية هو الكلمة فقط وليس النظام مع عدم تنفيذ معناه الحقيقي وعدم توفير المتطلبات الأساسية له كنظام

في تونس أكد نائب رييس عمادة المدربين مرسي قطاطة أن كرة القدم التونسية تعيش عصر الانحراف وليس الاحتراف وبين الكاتب حمزة عمر أن كرة القدم دخلت المرحلة الانتقالية بين الهواية والاحتراف منذ 2005 وتواصلت الي حد الأن فالاحتراف لم يشمل إلا وضعيّة اللاعبين، بينما بقيت بقيّة المكونات (الجمعيات والجامعات و الفكر السائد) هاوية وهو ما أدّى إلى احتراف أعرج هجين يقوم على التبرعات والاحسان للجمعيات بما جعل انديتنا تعيش أزمة حادة وعزوفا كبيرا عن تحمل المسؤلية حيث أصبحت اغلبها تدار من قبل هيىأت تسيبرية مؤقتة غير منتخبة تحاول في كل مرة تجنب اتخاذ القرارات الاستراتيجية الهامة وطويلة الأمد من حيث التنفيذ
يستوجب الاحتراف حدّا أدنى من المداخيل القارّة الّتي تمكّن النادي من مجابهات الصعوبات الماليّة الّتي يمكن أن تعترضه والتي تفاقمت  في عصر الاحتراف الأعرج

ان الأندية، وخاصة الصغرى منها في تونس ، تعوّل بشكل أساسي ويكاد يكون حصريّا على الهبات. وعلى سبيل المثال، تصل مساهمة شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيمياوي إلى حدود 80 في المائة من ميزانيّة فريق قوافل قفصة في موسم 2009-2010. وفي نفس الموسم، تبرّع السيّد علي بعبورة بـ 876 ألف دينار لترجّي جرجيس الّذي تبلغ ميزانيّته مليون و 800 ألف دينار. ويقلّ التعويل على التبرّعات في الأندية الكبرى، لكن تبقى نسبته مهمّة، إذ ساهم السيّد حمدي المدّب بمليوني دينار في ميزانيّة الترجّي الرياضي الّتي ناهزت 11 مليون دينار (حول هذه الأرقام وغيرها، انظر: جمال الفرشيشي، “ميزانيات أندية الرابطة المحترفة الأولى: من أين تأتي الأموال…وكيف تنفق؟”، الصباح ،28-6-2010). هذا التعويل على التبرّعات يجعل الأندية في حالة ترقّب دائم للتبرّع، ولا تكون قادرة على العمل إلا إذا تكرّم الواهب المحسن بالتفضّل بعطاياه، وإلا فلن يتمكّن النادي من سداد المتخلّد بذمّته.


وهذا التعويل شبه الكلّي على التبرّعات غير مستغرب. فالنوادي في تونس تبقى جمعيّات، أي أنّها ،حسب تعريف الجمعيّة، لا تهدف إلى تحقيق الأرباح. فهي تقوم على التطوّع ومسيّروها لا يتقاضون، أو لا يفترض أن يتقاضوا، أموالا مقابل أدائهم لمهامهم الّتي تفترض منهم الكثير من الوقت والجهد. وبالتالي يصبح التسيير في الجمعيّة مسؤوليّة ثقيلة بما أنّه يفترض تفرّغا دون أن يكون هناك مقابل. مادي وقيام الجمعيّات على مبدأ التطوّع يقلّص من جودة الخدمات المسداة. فالمسيّرون ليسوا مختصّين في التصرّف الرياضي (وهو اختصاص موجود في الجامعة التونسيّة ويتخرّج منه، مثل غيره، عدد هام من العاطلين عن العمل سنويّا) بل أنّهم ينحدرون من ميادين مختلفة ويديرون جمعيّاتهم على حدّ درايتهم وتفرّغهم وهم غير قادرين على جلب الأموال بغير الطرق الممكنة للجمعيّات. مسيّرون متطوّعون يشرفون على لاعبين محترفين، تلك هي المفارقة (الّتي تظهر حتّى من خلال التسمية: جمعيّة  (=تطوّع) محترفة)، مفارقة قد تؤدّي إلى تخبّط عجيب في القرارات لعلّ من أبرز مظاهرها الإقالات الاعتباطيّة للمدرّبين. ونفس الملاحظة تنطبق على الجامعة التونسيّة لكرة القدم
إنّ الاحتراف الحالي بتونس يقوم على مسلمّة أنّ تفرّغ اللاعب لممارسة كرة القدم وجعلها مهنة له كاف لتحسين أدائه، في حين أنّ اللاعب ليس في عزلة عن محيطه بشكل عام ومحيط عمله بشكل خاص. فليس الأمر سيّان أن يكون اللاعب محترفا في محيط هاو يقوم على التطوّع أو أن يكون محترفا في محيط مهني يعيش كليّا من كرة القدم. ولعلّ هذا المحيط المهني الهاوي هو الّذي يجعل عددا من اللاعبين لا يأخذون “مهنتهم” مأخذ الجدّ ويسلكون في حياتهم ما يناقض هذا الاحتراف، وهو ما يجعل عددا من أفراد المجتمع لا يستسيغون إلى حدّ الآن أن يكون لعب كرة القدم مهنة.
وللانتقال إلى احتراف كلّي، يجب تغيير هذا المحيط ليصبح محيطا يمتهن، بكامل مكوّناته، كرة القدم وهو ما يعني تحوّل الجمعيات إلى شركات رياضيّة. وليس هذا التحوّل ببدعة، وليس يقتصر على البلدان الأروبيّة، فالجزائر أقرّت منذ 2010 تحوّل النوادي إلى شركات رياضيّة بالأسهم. وهذا الانتقال يعني أن تتحوّل النوادي إلى مؤسسات لها رؤوس أموال تنشط في المجال الرياضي وتعمل بغاية تحقيق الأرباح، وهذا التغيير سيجعل مسيّري النوادي مهنيين مسؤولين أمام المساهمين عن النتائج المحقّقة ويقومون بتعبئة الموارد ويتصرّفون في الرصيد البشري للمؤسّسة، الّذي يشمل اللاعبين. وتجدر الإشارة إلى أنّ فريق الترجّي الرياضي كان سبّاقا برسمه لمخطّط للتحوّل إلى شركة رياضيّة بحلول سنة 2019 (رغم غياب الإطار القانوني لهذا التحوّل إلى حدّ الآن) .
هذا الانتقال، الّذي يجب أن يتمّ وفق شروط محدّدة (كتحقيق رقم معيّن من المداخيل القارة لفترة زمنيّة أو أن لا يقلّ رأس المال عن حدّ أدنى) ودون تعجّل، سيترتّب عنه فصل بين الرياضة المحترفة والرياضة الهاوية، أي الفصل بين المنزلتين الواقعة بينهما بطولتنا الآن، فلا تنشط ضمن البطولة المحترفة إلا الفرق المستوفية للشروط الموضوعة للحصول على صفة الشركة وبذلك تتوفّر لها المقوّمات اللازمة لمجابهة متطلبات الاحتراف. وحتّى مع إقرار هذا الاحتراف الكلّي، تظلّ كرة القدم قبل كلّ شيء “لعبة” وتختلف عن باقي المهن ويجب على اللاعبين، وأستعير هنا قولة وينتون مارساليس، أن يكونوا ممتنّين أن أتيحت لهم الفرصة للعب.

التجربة المغربية في مجال الاحتراف الرياضي

بات لكرة القدم في المغرب “بيزنس” خاص، سواء من حيث تهافت رجال الأعمال على تسيير أندية كروية، أو إنشاء شركات رياضية أو حركية سوق بيع اللاعبين، فضلاً عن انخراط لاعبين مغاربة في الاستثمار في قطاعات مربحة.

ولم تعد كرة القدم الرياضة الشعبية الأولى في المغرب، مجرد لعبة تعيش على هامش الهواية دون تخطيط، بل تحولت في الآونة الأخيرة إلى قطاع واعد ومدر للربح، الشيء الذي يفسر اهتمام الدولة بمواكبة وتطوير هذه الرياضة تحديداً.

شركات رياضية

بعد سنوات عدة من الاشتغال بمنطق وواقع “الهواية” في تدبير قطاع كرة القدم في المغرب، اهتدى الاتحاد المغربي للكرة إلى ضرورة تحويل الفرق والأندية إلى شركات رياضية، لتكون بذلك لبنة رئيسة في تشييد الصرح المؤسساتي لكرة القدم المغربية.

ونص قانون مالية عام 2020 على أنه “يمكن لجمعية رياضية القيام بعملية المساهمة بأصولها وخـصومها جزئيا أو كليا في شركة رياضية طبقاً لأحكام القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة”. 

ووفق القانون المؤطر لهذه الشركات الرياضية، فإنه تقرر إعفاؤها من مجموع الضريبة على الشركات خلال خمس سنوات متتالية تبدأ من السنة الأولى للاستغلال. وانطبق قانون تحويل النوادي إلى شركات رياضية على 16 فريقاً من الدوري الاحترافي و8 فرق من القسم الثاني، حيث انخرطت أغلب الفرق في هذا السياق من أجل تطوير بنياتها المؤسساتية والمالية في الوقت الذي تقرر فيه تأجيل نقل ممتلكات الجمعيات الرياضية إلى ملكية الشركات إلى موعد 30 يونيو (حزيران) 2023.

ويراهن المغرب على أن يسهم هذا التحول من جمعيات رياضية إلى شركات رياضية في تطوير “بيزنس الكرة المغربية”، وأن يسهم في تنمية “اقتصاد الرياضة” بصفة عامة من خلال خلق فرص الشغل وخلق حركية ورواج رياضي بالبلاد.

رئاسة الفرق

يتجلى “البيزنس” في قطاع كرة القدم بالمغرب من خلال تهافت عديد من رجال الأعمال على قيادة دفة الفرق الكروية، من قبيل فريق الوداد البيضاوي، وفريق الرجاء البيضاوي، وهما أحد أقوى النوادي المغربية، وأيضا نهضة بركان ومولودية وجدة، وغيرها من الفرق الأخرى.

يرى أمين السعيد، الأستاذ الجامعي المغربي ، أن “الفاعل الاقتصادي يمكنه تطوير تنافسية الفرق الرياضية لكرة القدم ونقلها من حالة الفرق الهاوية إلى حالة الشركات الاقتصادية

سوق اللاعبين

وفي السنوات القليلة الأخيرة صارت سوق انتقال وبيع اللاعبين (الميركاتو) داخل الدوري المغربي الاحترافي سوقاً حركية تدر الأموال على الفرق وحتى على اللاعبين. ويشترط الاتحاد المغربي لكرة القدم خلال سوق الانتقالات الصيفية أو الشتوية عدداً من الشروط تهم توفير وثائق محاسباتية وتحديد معايير التقييم المالي للأندية، بالنظر إلى عجز بعض الفرق على الانخراط في هذه الانتقالات لضعف ميزانيتها.

مشجع مغربي (أ ف ب)

وتظهر القدرة المالية لبعض الفرق الكروية في المغرب، وقدرتها على تدبير “بيزنس الكرة” من خلال التعاقد مع أفضل اللاعبين بمبالغ مالية كبيرة من قبيل فريق الرجاء الذي تعاقد مع 13 لاعباً في بداية الموسم الكروي الحالي، أو اتحاد طنجة الذي تعاقد مع عشرة لاعبين، ما يعني ميزانية مالية كبرى تستند إليها هذه الفرق. 

من جهة ثانية، يوضح الباحث في الاقتصاد الرياضي محمد الزغاري أن “ترمومتر” بيزنس الفرق الكروية يعرف من خلال القدرة على إبرام صفقات تعاقدية في فترة “الميركاتو” بمبالغ مالية كبيرة، مبرزاً أن الفريق الذي يتعاقد مثلاً مع 13 لاعباً مثل الرجاء لا يمكن إلا أن تكون حالته المالية جيدة.

وتابع أن الفرق التي تبيع لاعبيها تحظى بفرصة تقوية موازنتها المالية، كما يتيح لها هذا البيع شراء لاعبين جدد تدعم بهم زادها البشري، بينما الفرق التي تقتني اللاعبين تحاول الاستثمار فيهم لتحقيق البطولات والكؤوس، وأيضاً الحصول على امتيازات مالية.

مشاريع اللاعبين

وفي زمن سابق خصوصا في سنوات السبعينيات والثمانينيات وحتى في التسعينيات بدرجة أقل، كان اللاعبون المغاربة يشتكون من تردي وسوء أحوالهم المالية بسبب رواتبهم وتعويضاتهم التي لم تكن تلبي احتياجاتهم الشخصية ومتطلبات أسرهم.

وظهرت حالات عديدة للاعبين مغاربة يلعبون في الدوري الاحترافي وهم يشتكون أوضاعهم المالية والاجتماعية، حيث لم يجدوا السند المالي الذي يقيهم من تقلبات الدهر ونوائب الزمان، ما عرض عدداً منهم للفقر والحاجة، وأحياناً لطلب المساعدة من الآخرين.

وتغيرت الأحوال بشكل لافت في الألفية الثالثة بالنظر إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية والمالية لكثير من النوادي المغربية، ما جعل كثيراً من اللاعبين المغاربة ينعمون برواتب وامتيازات مالية متوسطة إلى جيدة. وراكم بعض اللاعبين المغاربة ثروات مالية في السنوات القليلة الأخيرة، ما دفع كثيرين إلى ولوج غمار الاستثمار في مشاريع مرحبة من قبيل المقاهي والعقار وغيرها من القطاعات ذات المردودية المالية والاقتصادية.

إن تحسن مداخيل بعض الفرق الكروية بفضل تنوع الموارد، وتدبير رؤساء الفرق من فئة رجال الأعمال، أسهم بشكل كبير في تجويد الأوضاع المادية لعديد من اللاعبين في الدوري المغربي.

لقد تفطن اللاعبون المغاربة إلى ما تعرض له لاعبون سابقون في سنوات ماضية من تهميش وتبخيس، فاغتنموا الفرصة ليخوضوا غمار “البيزنس”، فدخلوا في مشاريع تجارية ناجحة تكفل لهم تقاعداً مريحا.ً

الاستثمار في الرياضة والكرة

يقول الاقتصادي الباحث في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، عمر إيبورك، إن المغرب احتل المرتبة الأولى في أفريقيا من حيث الاستثمار في الرياضة، حيث قدرت الميزانية المخصصة لقطاع الرياضة بنحو 1.1 في المئة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018.

وتابع إيبورك “هذا استثمار يكرس مكانة الرياضة كرافعة مهمة لتعزيز تمكين المرأة والشباب وتحقيق الصحة، أهداف التعليم والإدماج الاجتماعي، إضافة إلى المكانة الرمزية والأخلاقية التي تحتلها الرياضة في الحياة اليومية للشباب نسبياً (ثلثهم تتراوح أعمارهم بين 15 و34)، فقد أتاح هذا القطاع خلق 240 ألف فرصة عمل.

ووفق إيبورك، يشكل تمويل البنى التحتية حالياً أحد المصادر الرئيسة لخلق القيمة في قطاع كرة القدم، حيث خصصت 80 في المئة من ميزانية الاستراتيجية الوطنية للرياضة للبنية التحتية، لافتاً أن تكلفة الملاعب الثلاثة الرئيسة الجديدة (مراكش وأغادير وطنجة) تبلغ مليار درهم لكل منها (100 مليون يورو)

محمد المنجة

المصادر مقتطفات من الصحف التونسية

جريدة صفاقس – معضلة كرة القدم التونسية / محمد المنجة

الاحتراف في كرة القدم التونسية: المنزلة بين المنزلتين / حمزة عمر

الاقتصادية حوار مع نائب رئيس عمادة المدربين التونسيين الكوتش مرسي قطاطة / محمد المنجة

جريدة الصباح جمال الفرشيشي، “ميزانيات أندية الرابطة المحترفة الأولى: من أين تأتي الأموال…وكيف تنفق؟