ذكر المؤرخ محمود مقديش أن محرس صفاقس و برجها في موقع قصبتها الآن كان مجلبة للسكان و التجار و من العائلات التي سكنت بها قبل بناء السور عائلة العشي و هي قبيلة بالجنوب التونسي و النوالي التي تنتسب إلى نائل بن عامر بن جابر و قد تفرعت عن هذه العائلة كل من عائلة الجراية و العموص و عباس و عائلة الجمني و الشعري أما غيرها فهي عائلات سكنت القرى و المدن الرومانية ثم انتقلت إلى المدينة بعد تشييد نواتها الأولى و انطلاقا من أن صفاقس كانت منطقة عبور و تجارة و عمل مع ما يتوفر فيها من أمن و حزم و وداعة سكانها من البديهي أن تقصدها عائلات من خارج إفريقية و تستوطن بها . و من العائلات القادمة إليها من القرى و البلدات المنتشرة على الساحل و أهمها طينة و حبانة و جبنيانة و فلوس و اللوزة و طيحالة و عقارب و شريانة نذكر منها عائلة السيالة و المكني و الجبنياني و الفرياني و اللومي و القرقوري . كما سكنتها عائلات قادمة من الجهات و الأقطار المجاورة لصفاقس و خاصة عائلات من الأندلس فاستقرت في المدينة العتيقة و نقلت معها عاداتها و تقاليدها و ثقافتها كما نقلت صناعتها و فنونها التي استفادت منها المدينة و من هذه العائلات عائلة المنيف و هي عائلة مشهورة بالبناء و التزويق و لها آثار و زخارف على أهم المعالم الأثرية للمدينة العتيقة خاصة الجامع الكبير و المنازل كما سكنتها عائلات قادمة من الشرق العربي كعائلة مخلوف الشرياني و عائلة الفوزي الأنصاري و عائلة القطي الأنصاري و الصفار القادمة من المدينة المنورة و عائلة الهنتاتي و اللواتي و المصمودي و الحكيم ( الصنهاجي ) و قد قدمت مع جيوش الموحدين و الحفصيين كما سكنتها عائلة التركي و بن مراد و والي و السرباحي و القارة و قارة يوسف و هي عائلات من أصل تركي .
وفيها عائلات من الساحل مثل “بوزقندة” و “المنجة” من القيروان
أما عبد الواحد المكني فيقسم سكان مدينة صفاقس إلى عدة عناصر و نورد ما كتبه الدكتور :
_ العنصر العربي : تتفق الآراء حول عروبة أغلب سكان المدينة خصوصا أن إشعاع صفاقس و انطلاقتها الحقيقية بدأت في العهد الأغلبي و ككل المدن الكبرى عرفت صفاقس إلى جانب سكانها الأوائل وفود عائلات من جهات مختلفة و خاصة من الجزيرة العربية و العائلات ذات الأصل العربي حسب ما ورد في الحجج العدلية و الوثائق و بعض الدراسات هي عائلات بودوارة و خنفير و الرقيق و هي ذات أصل علوي و آل الحكموني من أصل تميمي حجازي و الأنصاري و القطي من المدينة المنورة و الكراي و عبد الكافي و بوعتور من قريش ، أما العائلات ذات الأصل المغربي فهي عائلات الهنتاتي و المصمودي و اللواتي و الحكيم و الصنهاجي و المراكشي التي قدمت لصفاقس ضمن الجيوش الموحدية و الحفصية . كل هذه العناصر انصهرت في مدينة صفاقس قبل القرن السادس عشر أي قبل العهد التركي العثماني لكن هناك عناصر أخرى ذات أصول مختلفة تأخر انصهارها نسبيا .
_ الطرابلسية : لقب الطرابلسي كما نعلم من الألقاب الصفاقسية و وجدنا في وثائقنا ( خاصة بدفاتر العدول ) أن عائلات كثيرة تحمل هذا اللقب و يصعب التمييز بين حاملي هذا اللقب من الصفاقسيين و من الوافدين الجدد من طرابلس و اعتبرنا أن كل لقب يرد في الوثائق بمفرده ( طرابلسي فقط ) يخص عائلات صفاقسية أما الألقاب المزدوجة ( الغرياني الطرابلسي أو الطرهوني الطرابلسي مثلا ) فهي تدل على حداثة الاستقرار بالمدينة و صنفنا حامليها من الطرابلسية و من أهم الألقاب التي أحصيناها في الدفاتر نذكر ألقاب الغرياني و الزليتني و بن عربي و بن شكر و النائلي و الطرهوني و المثناني و الرياني و المسلاتي و المصراتي … و عموما فقد التحق الطرابلسية بالجهة إما فرارا من القلاقل السياسية و الاستعمار الإيطالي بطرابلس أو جراء الجوائح و الصعوبات الطبيعية و قد جاؤوا للبحث عن مورد رزق و التحق العديد منهم للعمل بالقطاع الفلاحي كمغارسية و ربّاعة كما امتهن البعض منهم الحرف الهامشية داخل المدينة
_ العنصر التركي : انتمت صفاقس إلى الفضاء التركي – العثماني قبل غيرها من مدن الإيالة التونسية و ألحقت بولاية طرابلس و لم ترجع إلى الحضيرة التونسية إلا سنة 1594 فكان من الطبيعي أن يلتحق بالمدينة عديد الأتراك و ينصهرون في المجتمع الصفاقسي عن طريق الزواج فالمعروف أن الأتراك يأتون بدون عائلات و ربما ساهم هذا الاختلاط في عدم تفطن الدارسين لوجود هذه الأقلية . و أهم العائلات التركية حسب الدفتر 1021 الذي يعود إلى منتصف القرن 19 ، عائلة التركي و القارة و قارة يوسف و بن مراد و والي و البرجي و حمزة و القرمازي و قد تواتر ذكر هذه العائلات في دفاتر العدول و في أرشيف لجنة حل الأحباس خصوصا أنهم حبسوا عدة عقارات في أواسط القرن 19 على ذويهم و تذكر الوثائق أن هؤلاء الأتراك كانوا يحتفظون بمذهبهم الحنفي فألقابهم يضاف لها في الحجج الرسمية الحنفي مثال ذلك ( والي الحنفي ) كما كان لهم مسجدهم الخاص بهم يسمى مسجد الترك أو مسجد الحنفية
_ العنصر الأندلسي : تندر المعلومات حول هذا العنصر فالمعروف أن الأندلسيين الذين قدموا للبلاد التونسية بداية من سنة 1609 اختاروا الاستقرار بسهول مجردة و الوطن القبلي و لم يمنع العامل الجغرافي من قدوم بعض العائلات الأندلسية إلى صفاقس إما لجاذبيتها الاقتصادية أو للعلاقات الكثيفة بين علماء صفاقس و نظرائهم من الأندلس في القرون 13 و 14 و 15 . فوفد على المدينة ما لا يقل عن 4 عائلات أندلسية و هي عائلة الشرفي التي أنجبت العديد من العلماء و الشعراء كذلك عائلة المنيف التي اختصت بحرفة البناء و أيضا عائلة النيفر و هناك من يفترض أن عائلة الشرباجي ( و تنطق أيضا الصرباجي ) أيضا أندلسية كما عثرنا على لقب الأندلسي في دفاتر العدول ” شهدوا … في علي بن محمد العربي الأندلسي ” و لا نعرف لماذا اندثر هذا اللقب
_ بقية الأقليات العربية و المسلمة : استقر بصفاقس العديد من المشارقة نتيجة للعلاقات التجارية الكثيفة لصفاقس مع المشرق و خاصة مع مصر ففي دفاتر العدول عثرنا على الألقاب الآتية الشرقي و الشرقاوي و اسكندراني و الشبراوي أما عن بقية الأقليات فلا نعرف الشيء الكثير إلا بعض المغاربة الذين يحملون لقب الجواني المغربي و منهم من أتى من وجدة و من حوز مراكش و بالنسبة إلى الجزائريين لم نعثر عل أثر لهم في الدفاتر و ربما أغلبهم بشتغلون كمترجمين للفرنسيين و ملحقين بالجيش الفرنسي و سلك الأمن .
بقلم حاتم الضاوي