المالوف مصطلح يطلق على أحد أنواع الأنماط الغنائية المتوارثة من جيل لآخربالمغرب العربي بقسميه الدنيوي والديني المتصل بمدائح الطرق الصوفية. نشأ بالأندلس وارتبط في بعض الأحيان بالمدائح

و يعتبر المالوف من المورث الغنائي عن الأندلس، وأسماء هذا الفن تختلف من منطقة إلى أخرى فهو الآلة في المغرب، والغرناطي في كل من وجدة وسلا وتلمسان ونواحي غرب الجزائر، والصنعة في العاصمة الجزائرية، والمالوف في قسنطينة وتونس وليبيا وصفاقس وغيرها من البلدان والمدن .

لقد اشتهر في صفاقس الفقيه الأديب والشاعر محمود عمار المولود في المدينة العتيقة سنة 1864 بقصيدة دائرة الطبوع على غرار ناعورة الطبوع المتداولة في تونس

يقول محمود عمار في دائرة الطبوع ما يلي :

وقلت في ترتيب دائرة طرق الغناء المعروفة عندنا بالطبوع

الليل فاق بشدو شاقني طربا — يا حسنه لقلوب الخلق قد جذبا

أتى العراق يرينا من صناعته — غرائبا تبهر الأعجام والعربا

وصيكة بلذيذ اللحن قد صدحت — فغادرت مقلتي في دمعها سحبا

ومنذ غنى حسين زادني شغفا — بلحنه قد حكى لطفا نسيم صبا

ورمل ماية تاهت بي زخارفه — من حسنها صار لي من النوى ضربا

ان النوى جعل العشاق في قلق — حتى عيونهم منها الكرى سلبا

والاصبعين شفا الأحشاء من علل — بنغمة خيلتني أنني بقبا

ورصد ذيل جلا الأصداء عن كبد — كأنه روضة غناء وسط ربى

والرمل عالج قلبي حين أسقمه — بعد الحبيب الذي عقلي به ذهبا

وإصبهان حكى سجع الهزار ضحى — في جنة ظل فيها الطل منسكبا

ألحان مزمومنا في السمع مطربة — جنا وإنسا فكل فيه قد رغبا

وماية شدوها في أذن سامعه — يحدو إلىى الأنفس الأفراح والطربا

وفي لقاء صُحفيّ مع الدكتور وجدي عليلة، وهو الباحث المختصّ في روايات المالوف التونسي بالبلاد التونسية والأستاذ بالمعهد العالي للموسيقى بصفاقس حدّثنا عن رواية المالوف بصفاقس فقال:

”تشتمل الحياة الموسيقيّة في صفاقس على عدّة أشكال وأنماط مختلفة تعكس ثراء تاريخيّا وثقافيّا وفنيّا للجهة، ولأنّ صفاقس من خلال تاريخها وموقعها الجغرافي شكّلت عامل جذب على مرّ العصور، فقد تجذّرت بها أنواع شتّى من الأنماط الموسيقيّة منها ماهو أصيل ومنها ماهو وافد، واستطاعت أن تعبّر أصدق تعبير عن أحاسيس ومشاعر المجتمع.

ويعدّ فنّ المالوف من بين أبرز الأنماط الغنائية المتوارثة من جيل لآخر مشافهة والذي حافظ في تداوله على بعض من خصائصه الشعرية والموسيقية وحتّى على مستوى التنفيذ فمثّل بذلك خير رصيد موسيقي يعبّر عن ذاكرة حيّة ناقلة لخصائص ومميّزات فنيّة تفرّدت بها جهة صفاقس ليكون لها رواية خاصّة بها في المالوف التونسي تختلف عن الرواية الرسمية (رواية الأسفارالتونسية/رواية الرشيدية) ورواية تستور ورواية بنزرت ورواية قليبية وغيرها من الروايات المتواجدة بالمناطق الحاضنة لهذا الموروث الفنّي بالبلاد التونسية.

تعتبر مدينة صفاقس من بين أبرز المدن التونسيّة التي لها تاريخ عريق في فن المالوف، ذلك أنّ هذه المدينة قد اشتهرت، ومنذ تاريخ قديم، باحتضانها لعديد الأعلام الموسيقيّة التي كان لها الفضل في حفظ وتحفيظ المالوف لدى أجيال متعاقبة. والمالوف في صفاقس شأنه شأن بقية المناطق التونسية الحاضنة لهذا الفن، ينقسم إلى نوعين: الأوّل يسَمّى مالوف “الجِدِّ” والثاني هو مالوف “الهَزْلِ”.

أمّا النوع الأوّل فهو المالوف الذي يُنشد في الطرق الصوفيّة، وصفة “الجِدِّ” هنا اقترنت بالمالوف للدلالة على كلّ ماهو إنشاد لقصائد وأزجال وموشّحات تتّخذ في أغراضها نزعة دينيّة تعبديّة.

إنّ “مالوف الجِدّ” في صفاقس هو ذلك الرصيد الغنائي الذي اقتصر أداؤه في مجالس الإنشاد الصوفي ومن أبرزها مجالس سيدي أبي الحسن الكرّاي التي كانت تضمّ مجموعة من المنشدين المردّدة للعديد من الموشّحات والأزجال والنوبات الملحّنة على نفس أسلوب نوبات المالوف التونسي، إلاّ أنّ الاختلاف يكمن بالأساس في غياب الأقسام الآليّة في النوبة وهي “الإستفتاح” و”المصدّر” و”التوشيّة” وهو أمر طبيعي على اعتبار أنّ “نوبات الجْدِّ” تُنشد بمصاحبة آلات إيقاعيّة فقط.

أمّا مالوف “الهزل” فهو ذلك المالوف الذي يتّخذ من رصيده الغنائيّ أغراضا شعريّة مختلفة تشمل الغزل والخمر وما إلى ذلك من الأغراض المرتبطة بكلّ ماهو دنيوي. ومالوف “الهَزْلِ” في صفاقس هو مالوف متفرّد ومميّز من حيث مضمونه الأدبيّ والموسيقيّ وحتّى على مستوى آدائه، حيث أنّ هذا النمط الغنائي ارتبط بالعديد من الأعلام الموسيقيّة أصيلي المنطقة والذين كان لهم دورا كبيرا في نشر وتحفيظ ما يكنزونه من رصيد غنائيّ أثروا به التراث الموسيقي التونسي بشكل عام.

ومن أبرز المشايخ الذين تداولوا على فن “مالوف الهزل” بصفاقس، وقد أتى على التعريف بهم الأستاذ علي الحشيشة في كتابه السّماع عند الصوفيّة والحياة الموسيقيّة بصفاقس في القرنين التاسع عشر والعشرين، نذكر الشيخ محمد اللوز والشيخ سعيد بالأطرش والشيخ سعيد الزواري والشيخ محمد بركيّة والشيخ محمد بوديّة، ومّما لا شكّ أنّ كلّ هؤلاء المشايخ كان ولا يزال لهم الفضل في الحفاظ على “مالوف الهزل” بصفاقس، حتّى أنّنا صرنا اليوم نتحدّث عن رواية مالوف تختّص بها هذه الجهة عن باقي الجهات التونسية الحاضنة لفن المالوف، وهي رواية سُجّلت في الخزينة الصوتيّة لإذاعة صفاقس فكانت مرجعا لعديد من موسيقيّي الجهة لينهلوا منها ومنطلقا لمشاريعهم العلميّة والفنيّة على حدّ السواء.

· مثال من مالوف “الجِدِّ” – بطايحي في طبع النوى

أَنَا الّذِي بُحْـــتُ باكْتِــــــتَـــــــامِــــــــــي

مِنْ عَظْمِ شَــــــوقِي وَمِحْــــــنَتِي

فِي المُصْطَفَى الهَاشِمِيّ اتِّهَــــــــامِي

قَصْدِي وَذُخْرِي وَبُغْــــيَـــــتِي

بِمَدْحِهِ قَـــــــــدْ حَــــــــــلَى نِظَـــــــــــامِي

مَنْ حَازَ عَقْلِي وَمُهْجَـــــــــتِي

· مثال من مالوف “الهزْل” – شغل في طبع الحسين

مُبَاحٌ يَا حـَــــــــــبِـــيـــــــــبْ

الحبُّ في المــــــــِـــــــــــــــــــــلاَحِ

في لهْجِنَا مُــرِيــــــــــــــبْ

ألاَ لِكُلِّ لاَحِــــــــــــــــــــــــــــــي

بِالحُسْنِ والجَمـَــــــــــــال

طُوبـَـــــــى لِمَــــنْ تَهَـــــتَّـــــكْ

وفَــازَ بِالــــــوِصـَـــــــــــــــال

وبالبهَاء تَمَـــــــــــــــســَّــــــــــــك

عمل صحفي للأستاذ محمد المنجة