هل رأيت… نزلا يتحول إلى موطن للفن والثقافة والابداع؟

هل شاهدت…نزلا يقدّم حبّا ونمط حياة يمزج بين السياحة والفن؟

هل سمعت…بنزل يقدم بريقا لا يمكن لأي نزل في تونس أن يعطيه؟

إنه نزل (صدربعل) بياسمين الحمامات، الذي يتسع قلبه للقادمين إليه من السياح والفنانين التشكيليين والموسيقيين والموهوبين من الأساتذة والطلبة، والضيوف المدعويين من رجال الفكر والصحفيين والكتاب في مجال السياحة والثقافة.

“فونداسيان” محمد العموري

ولخدمة هذه القناعة فكرا وعلى الطبيعة وأرض الواقع، أقدمت الإدارة العامة للنزل على بعث مؤسّسة: ” فونداسيون(صدربعل) للثقافة والفنون، محمد العموري “، ومصطلح “فاداسيون” ليس بالمعنى القانوني للجمعية أوللمؤسسة! والسيد محمد العموري من روّاد الصّناعة الفندقيّة في تونس، ومؤسس سلسلة (صدربعل) السياحية، وإلى جانب كونه قدتميّز بعشقه الفيّاض للثقافة والفنون،  وهو الذي حوّل مشاريعه إلى فنادق/متاحف بالحمامات وسوسة وجربة، فإنّ مجموعته تضمّ اليوم ما يناهزثلاثة آلاف لوحة لفنانين مبدعين تونسيين وعرب وأجانب ! وقع تجميعها منذ بداية السّبعينات وتمثّل فصولا لامعة من تاريخ الفنّ في العالم العربي وخاصّة تونس والعراق والجزائر والمغرب، مثل الفنانين علي بن سالم ونجيب بالخوجة ورضا بالطّيب ومحمود السّهيلي ومحمّد النبيلي وضياء العزاوي وشاكر حسن آل سعيد ومخلّد المختار وحسن عمراوي…

يقول السيد سمير نصير مدير عام النزل: آمنا في نزل (صدربعل) بمنطقة الياسمين الحمامات بالثقافة وعلاقتها بالسياحة، لذا قرّرت الإدارةفي شخص السيد محمد العموري وابنه رؤوف العموري، بمزاج عائلي محب للإبداع ومنحاز إليه، التوجّهإلى الثقافة في شتى مجالاتها، بحكم الكنز الفني من اللوحات الزيتيةالذي  تمتلكهالسّلسلة، والذي يمثل شواهد مهمّة من الفن التشكيلي الحديث.  وفي هذا السياق يتنزّل تأسيس “فانداسيون(صدر بعل) للثقافة والفنون محمد العموري”. واعتقادنا أنهليست هناك سياحة ناجحة بلا ثقافة، ولهذا لابد من ربط جسور التواصل بين القطاعين. ونتوق إلى يوم تدمج فيه السياحة والثقافة في وزارة واحدة. فلدينا مخزون ثقافي رائع وزاخر، وعلينا أن نرتقي به إلى رتبة السياحة ومكانتها.

سهرة أوتار

وأوّل الغيث لمواسم الثقافة والفنون والفكر تحت مظلة “الفونداسيون” محمد العموري بهذا النزل،  الذي لا أقدر إلا على توصيفه بنزل “أروقة الفن”، ونزل “الأضواء والشلالات”، هو استضافة ورشة تدريبيّة موسيقية قادها الموسيقار الفرنسي لوران جوست Laurent JOST والفنان التونسي الشهير زياد الزواري واستفاد منها طلبة تونسيون(20)  وفرنسيون(10)  في عمر الورد. وقد كلّلت هذه الدورة التي انتظمت بالتعاون مع “الكنسارفاتوار” الوطني للموسيقى والرقص بباريس، والمعهد الفرنسي بتونس، ومعهدالموسيقى بتونس، بحفل رائق للموسيقى الكلاسيكية الغربية، والموسيقى العربية الأندلسية، حضرته شخصيّات ثقافيّة وإعلاميّة وديبلوماسيّة.وكان خريفا موسيقيا بامتياز تناثرت أوراقه الذهبية “أوتار”، كما كان عنوانه، من نزل (صدربعل) على الجمهور الثقافي والموسيقي الفرنسي والتونسي. هذا، فضلا عن حفل رفيع المستوى ضمّ نخبة من العازفين التونسيّين والأوروبّيين في سبتمبر 2022 حول موضوع علاقة الحسّ الموسيقي بالحسّ التشكيلي وقد وقع عرض نماذج من لوحات المجموعة كخلفيّة لمنصّة العازفين في إخراج فنّي بديع… وحفل آخر للموسيقى السّيمفونيّة قدّمه الماسترو حافظ مقني. كما انتظمت في أواخر نوفمبر الماضي ندوة علميّة حول القيم الجماليّة والتّسويق الفنّي في عصرالتّكنولوجيات الرّقميّة، في إطار اتفاقيّة شراكة بين “الفانداسيون” وبين المعهد العالي للميلتيميديا بجامعة منوبة، شارك فيها ثلّة من الجامعيّين… 

معرض ومحاضرة عن الفن المعاصر والتقنيات التكنولوجية

على مرمى حجر زمني تحوّل نزل (صدربعل)خلال الأسبوع الماضي من الموسيقى الكلاسيكية الغربية والموسيقى العربية الأندلسية، إلى فضاء للفرشاة واللون والتكنولوجيا والكمبيوتروالحوار مع مبدع عالمي آخر،  قادم إلينا من مدينة تولوز الفرنسية،  وهو الأستاذ الجامعي المتميّز والفنان التشكيلي كزافيايلومبارXavier LAMBERT الذي احتضن عديد الباحثين التونسيين منهمالجامعي أمين الغرياني… واشتمل هذا الحدث الثقافي الفني، بالإضافة إلى معرضللفن المعاصر من إنجاز هذا الفنّان،وقع عرضه برواق صدربعل للفنونبمنتهى الدّقة والانضباط، اشتمل على محاضرة  تحت عنوان “لفن المعاصر والتكنولوجيا-العلمية” أدارت حواراتها البروفسور كارول هوفمانHofmannCarole ، المختصة في مادة الفن الرّقمي والتكنولوجبات الحديثة بجامعة تولوز، حضرها (40) طالبا مستوى الإجازة والماجستير ومدرسة الدكتوراه من  المعهد العالي للفنون الجميلة بنابل، إلى جانب مدير المعهد ومديرة الدراسات والكاتب العام وعدد من الأساتذة، علاوة على الضيوف الآخرين.

المعرض ضم، في أحد زوايا هذا النزل الجميل والعذب، (24) لوحة من الأشرطة المصوّرةBD ، و(15) لوحة، منجزة بالقلم الجاف الأسود على الورق العادي، وقد وقعت رقمنتها للتحكم في حجم المطبوعات. وخضعت كل هذه اللوحات إلى فلسفة “المغامرة” أي أن الفنان “كزافيايلومبار”ليس له مشروع مسبق بحيث ينجز العمل في الثناء، شيئا فشيئا. وقد عرضت اللوحات بالأبيض والأسود وتخللت مسحة ذات لون أحمر أحد اركان الأشرطة المرسومة. وقد دام إلقاء المحاضرة أكثر من ساعة، دون احتساب النّقاش، وطرحت إشكاليّات وتساؤلات تشجّع على التفكير في الفن التشكيلي وتدفّق التكنولوجيات الحديثة، وكيف نشكل فهمنا الثقافي الفني مع الثورة الرقميةومدى ضرورة احداث تحولات في البيداغوجيا ومناهج التدريس في مجال الفنون الجميلة.

 الأستاذ منصور الصياح، أستاذ الألسنية وفلسفة اللغةبالجامعات الفرنسيّة، الذي واكب هذا الحدثعبّر عن عظيم ارتياحه وسعادته العارمة لقيام نزل (صدربعل)، هذا النزل الاستثنائي الذي يشجع ويدعم الثقافة والفن، بهذه المبادرة التي افسحت للرسامين الشبان فرصة تطوير مهاراتهم، باعتبار أنهم يفتقرون إلى دعم كاف في هذا المجال، مضيفا أن المجتمع التونسي يزخر بالمواهب اللاّمعة.

ومن ناحيته بيّنأ.د خليل قويعة أستاذ نظريات الفن بالجامعة التونسية، والمستشار العلمي للتّظاهرةأن “غزافيايلامبار” بروفسور فخري في جامعة تولوز وفنان عالمي. وشارك بصفته العلمية والفنية في عديد المؤتمرات العالمية بكندا والبرازيل وسويسرا والصّين، وسبق أنعرض ببازليك سليانة عام2017. وقد أصدر عدة مؤلفات منها “ما بعد الإنسان ورهانات الفرد”، و”من بين أمور أخرى entre autres”، فضلا عن أبحاثه في المسارات الإدراكيّة والذكاء الصّناعي والرّقميات، صلب الفن المعاصر، تلك التي قدّمها مع رائد المدرسة الفنيّة الرّقميّة أدموند كوشو…

المواهب التونسية في قلب الحدث

الورقة الرابحة والإيجابية في هذا السياق الثقافي/الفني أن الشياب التونسي الموهوب في الموسيقى والفنون التشكيلية هو في قلب هذه الاحداث. والمحصّلة تحوّل نزل (صدربعل) ياسمين الحمامات، الذي يستمر، في إبهارنا وإدهاشنا، بفضل”فانداسيون” محمد العموري،التي يفوح منها الحرير والمسك والعنبر، إلى مكان للتلاقي الفني، ومساحة للموسيقى، ومركز حقيقي للفنون التشكيلية والقيم الإبداعيّة وفضاء لتدريب الشباب التونسي وملتقى ثقافي من طراز رفيع، يجمع تحت سقفه الجامعي والصّحفي والطالب والمفكر…وستتألق سنة 2023 بسلسلة نشاطات وحفلات ومعارض ومؤتمرات ليستفيد منها بالدرجة الأولى كل طالب موهوب، للتغلّب على بقايا “الكوفيد التاسع عشر” بل هو شكل من أشكال المقاومة لمواطن التّأزّم العالقة، وذلك من خلال الفن، من أجل إشراقة ممكنة للحياة المفعمة بالجمال والإبداع في هذا الزّمان، كما يقول السّيد رضا العموري، منسّق التّنظيم.

أليست الفنون والموسيقى والرقص والثقافة عامة جزءا من الإيقاع الضروري للحياة!

د.رضا القلال

الأستاذان غزافياي لومبار وكارول هوفمان
من قاعة المؤتمرات، محاضرة غرافياي لومبار